نكمل إن شاء الله كلام ابن القيم رحمه الله عن الهوى و الأمور المعينة على التخلص منه.....و لما امتُحن المكلف بالهوى من بين سائر البهائم و كان كل وقت تحدث عليه حوادث جُعل فيه حاكمان :
حاكم العقل و
حاكم الدين ،
و أُمر أن يرفع حوادث الهوى دائما إلى هذين الحاكمين و أن ينقاد لحكمهما ،
و ينبغي أن يتمرن على دفع الهوى المأمون العواقب ليتمرن بذلك على ترك ما
تُؤذِي عواقبه.
فإن قيل كيف يتخلص من هذا من قد وقع فيه ؟ قيل : يمكنه التخلص بعون الله و توفيقه له بأمــور : -
أحدها : عزيمة حُـرٍّ يغـار لنفسه و عليها.
-
الثاني : جرعة صبر يُصبِّر نفسه على مرارتها تلك الساعة.
-
الثالث : قوة نفس تشجعه على شرب تلك الجرعة ، و الشجاعة كلها صبر ساعة ، و خير عيش أدركه العبد بصبره.
-
الرابع : ملاحظته حسن موقع العاقبة و الشفاء بتلك الجرعة .
-
الخامس : ملاحظته الألم الزائد على لذة طاعة هواه.
السادس : إبقاؤه على منزلته عند الله تعالى و في قلوب عباده ، و هو خير و أنفع له من لذة موافقة الهوى.
-
السابع : إيثاره لذة العفة و عزتها و حلاوتها على لذة المعصية.
-
الثامن : فرحه بغلبة عدوه ورَدِّه خاسئا بغيظه
و غمه و همه حيث لم ينل منه أمنيته ، و الله تعالى يحب من عبْدِه أن يراغم
عدوه و يغيظه كما قال الله تعالى في كتابه العزيز : "
و َلَا يَطَئُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الكُفَّارَ و لا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْْلاً إلا كُتِبَ لَهُم بِهِ عمل صَالٍحٌ " التوبة : 120 و قال تعالى :"
لٍيَغٍيظَ بٍهٍمُ الكُفَّارَ " الفتح : 29 ، و قال تعالى :"
وَمَنْ يُّهَاجٍرْ في سَبِيلِ الله يَجِدْ فٍي الَأرْضِ مُرَاغَماً كَثٍيراً و َسَعَةً " النساء : 100 أي مكان يراغم فيه أعداء الله. و علامة المحبة الصادقة مغايظة أعداء المحبوب و مراغمتهم.
التاسع : التفكـر في أنه لم يُخلق للهوى و إنما هُيِّء لأمر عظيم لا يناله إلا بمعصيته للهوى كما قيل :
قد هيأوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
العاشـر : أن لا يختار لنفسه أن يكون الحيوان
البهيم أحسن حالا منه ، فإن الحيوان يميز بطبعه بين مواقع ما يضره و ما
ينفعه ، فيؤثر النافع على الضار ، و الإنسان أُعطي العقل لهذا المعنى ،
فإذا لم يميز به بين ما يضره و ما ينفعه أو عرف ذلك و آثر ما سضره كان حال
الحيوان البهيم أحسن منه.
الحادي عشر : أن يسير بقلبه في عواقب الهوى
فيتأمل كم أفاتت معصيته من فضيلة ، و كم أوقعت في رذيلة ، و كم أكلة منعت
أكلات ، و كم لذة فوتت لذات، و كم من شهوة كسرت جاها ، و مكست رأسا ، و
قبحت ذكرا ، و أورثت ذما ، و أعقبت ذلا و ألزمت عارا لا يغسله الماء ، غير
أن صاحب الهوى عمياء.
الثاني عشر : أن يتصور العاقل انقضاء غرضه ممن يهواه ثم يتصور حاله بعد قضاء الوطر و ما فاته و ما حصل له.
الثالث عشر : أن يتصور ذلك في حق غيره حق التصور ، ثم ينزل نفسه تلك المنزلة ، فحكم الشيء حكم نظيره.
هذا ما تيسر الآن يُتبع بإذن الله....
***************************
اللهم و فقنا توفيقا يقينا من معاصيك و أرشدنا برشدك حتى تُقيمنا على ما يُرضيك